بقلم المهندس محمد النحاس
رغم أن مشهد تفتح أزهار الزيتون يبعث على التفاؤل بموسم وفير، إلا أن كثيرًا من المزارعين باتوا يواجهون ظاهرة مقلقة: أشجار الزيتون تُزهر بغزارة لكنها لا تعطي ثمارًا. هذه الظاهرة أصبحت متكررة في السنوات الأخيرة، وهي نتاج تداخل عوامل مناخية وزراعية، تتطلب فهمًا دقيقًا وحلولًا مدروسة.
أولًا: التغيرات المناخية واضطراب مواعيد التزهير
من الظواهر الغريبة التي رُصدت مؤخرًا:
التزهير المبكر في النصف الثاني من يناير.
التزهير المتأخر في نهاية أبريل وبداية مايو.
كلا التوقيتين يُعد غير مناسب لإتمام عملية التلقيح والعقد، وهي مراحل حيوية في تكوين الثمار. على سبيل المثال، في موسم 2024، لم تشهد مناطق عديدة ساعات برودة كافية حتى نهاية يناير، ما أدى إلى تأخر واضح في الاستجابة الفسيولوجية للأشجار. ونتيجة لذلك، ظهرت أزهار جديدة في مايو، لكنها لم تلقح بشكل ناجح.
في محافظة مطروح، رُصد تزهير مبكر في يناير 2025، إلا أن موجات البرودة والحرارة المتعاقبة أدت إلى فشل التلقيح أيضًا.
ثانيًا: الاضطرابات الحرارية وتأثيرها على الزهرة
حتى الأزهار التي ظهرت في موعدها الطبيعي لم تسلم من التأثيرات المناخية؛ إذ واجهت:
موجات حر شديدة، تبعتها
موجات برد عنيفة.
هذا التذبذب الحراري العنيف أدى إلى خلل فسيولوجي في الأعضاء الزهرية مثل المتوك، والمياسم، وحبوب اللقاح، مما عطل عملية التلقيح الطبيعي.
ثالثًا: الممارسات الزراعية الخاطئة
بجانب التغير المناخي، تلعب أخطاء بشرية دورًا في تفاقم المشكلة، وأبرزها:
الإفراط في الري.
الإفراط في التسميد النيتروجيني.
إهمال التسميد العضوي.
هذه الممارسات تؤثر سلبًا على التوازن الغذائي للأشجار، وتحديدًا نسبة الكربون إلى النيتروجين، وهي نسبة حاسمة في تحديد نوعية الأزهار. فارتفاع النيتروجين دون توازن يؤدي إلى زيادة عدد الأزهار المذكرة على حساب الأزهار الخنثى، والتي هي المسؤولة عن تكوين الثمار.
الخلاصة:
تغيرات المناخ أصبحت عاملًا رئيسيًا في ضعف إنتاج الزيتون.
الممارسات الزراعية غير المنضبطة تؤدي إلى تفاقم المشكلة.
الحل يكمن في إدارة المزرعة بوعي مناخي، وضبط عمليات الري والتسميد، ومراقبة توقيتات التزهير لتقليل الخسائر.
الزيتون ليس مجرد شجرة، بل هو مرآة لما يحدث في بيئتنا ومناخنا. لذا، فإن حمايته تبدأ من العلم، والإدارة الحكيمة، والاستعداد لتغيرات لم نكن نواجهها من قبل.